بسم الله الرحمن الرحيم
شدد كثير من المتخصصات في مجال الأمومة والطفولة على أهمية الرعاية وتوفير حق الطفل في الرضاعة الطبيعية، التي يجب أن تظل محفوظة له حتى خلال وقت عمل الأم، بما يحقق له هذه الرعاية، مؤكدات ضرورة تجنيد كل طاقات المرأة على تشجيع استمرار الأم العاملة في إرضاع طفلها، وإلى تضافر الجهود لدعم الأم التي تعمل، اياً كان مجال عملها، لتتابع إرضاع طفلها؛ لأن هذا حق من حقوقها وحقوق طفلها.
فمما لا شك فيه أن الامرين لا يتعارضان، شرط تسهيل الأمور على الأم في عملها وأن تكون الإرادة موجودة لديها والرغبة في متابعة الإرضاع من دون البحث عن مبررات لامتناعها عن ذلك.
فوائد صحية
تقول د. فرح عبدالعال - استشارية النساء والولادة: ان الرضاعة الطبيعية حوار يومي بين الأم وطفلها، وهي ليست مجرد نقل للعناصر الغذائية والفيتامينات بل نقل للمشاعر والأحاسيس والأفكار، ولها فوائد جمة تعود على الجميع، الطفل، الأم، الأسرة والمجتمع مبينة ان منها توفير غذاء متكامل وكاف للطفل نظيف غير ملوث؛ لأنه يمر مباشرة من ثدي الأم إلى فم الطفل وبذلك لا يتعرض للتلوث والمساعدة على نمو الفك والأسنان بشكل سليم، وتوفير غذاء يحمي الطفل بتقوية جهاز المناعة، وبالتالي التقليل من خطر إصابته بأمراض عدة، مثل الإسهال والتهاب الإذن وتسوس الأسنان والسكري وأمراض القلب وارتفاع ضغط الدم وبعض أنواع السرطانات وحساسية الجهاز الهضمي.
كما أن الرضاعة الطبيعية تساعد الأم على إحداث التقلصات الرحمية؛ ما يقلل من فقدان الدم ووقف النزيف ويساعد على عودة حجم الرحم إلى ما كان عليه قبل الحمل، وتساعد الأم على استرجاع وزنها الذي كان قبل الحمل وتقلل من خطر الإصابة بسرطان الثدي والمبيض ما قبل سن اليأس، كما تقلل من حدوث ما يسمى "اكتئاب ما بعد الولادة"، وتوطد العلاقة والترابط العاطفي بين الأم والطفل، وتوفر للأم الراحة والوقت لرعاية طفلها وأسرتها وتجعل إطعام الطفل ليلا مريحا كما تؤخر حدوث حمل جديد خاصة في الأشهر الستة الأولى بعد الولادة، وذلك عندما ترضع الأم رضاعة مطلقة على أن لا تكون الدورة الشهرية قد عاودتها، مشيرة إلى أن هذه تعد إحدى وسائل تنظيم الأسرة وتسمى طريقة قطع الطمث بالإرضاع.
وختمت حديثها بقولها: ننصح الأمهات بأن يبدأن الرضاعة الطبيعية منذ الساعات الأولى بعد الوضع، أي منذ تكوّن اللبن الأول وهذا لابد أن يكون خلال الأيام الأولى من الوضع، وينصح بأن تكون الرضاعة من ثدي واحد، لمدة لا تقل عن نصف ساعة حتى تتأكد من أن الطفل قد شبع، وذلك لأن اللبن الأول يحتوي على الماء والسكر الذي يزيد شهية الوليد ويشجعه على الرضاعة أكثر، ومن هذا كله نعلم سر قول الله تعالى: (وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ…).
تطور عاطفي وذكاء
وأوضحت صباح زهار - أخصائية الاجتماعية - أن الرضاعة الطبيعية مهمة من الجانب المعنوي لنمو الطفل الصحي والنفسي، فالرضاعة الطبيعية تعود بالفائدة على الطفل من عدة جوانب، منها تعزيز الأمان العاطفي لكل من الأم والطفل والمساعدة على التطور العاطفي والاجتماعي بشكل أفضل وزيادة مستوى الذكاء عند الطفل، والتقليل من السلوك العدواني، والرضاعة الطبيعية هي واحدة من طريقة التفاعل المبكر الأساسية بين الأم والطفل، وشكل من أشكال الحوار، ويخلق مجموعة متنوعة من التفاعلات، مضيفة أن الأبحاث الطبية أكدت أن الأطفال الذين يرضعون رضاعة طبيعية من الأم، وآخرين يرضعون حليبا مجففا مذابا في الماء، مبينة أن مادة الدهنيات الفوسفورية الموجودة في حليب الأم بنسبة كبيرة، التي تدخل في تركيب الجهاز العصبي للطفل تلعب دورًا أساسيا في نموه، ولها تأثير كبير يمتد أيضا إلى نهاية عمر الإنسان، وقد أكدت أن أطفال الرضاعة الطبيعية أكثر ذكاء من أطفال الرضاعة الصناعية، والسبب في ذلك هو أن أسرع مرحلة لنمو المخ في الإنسان تكون في العام الأول من حياته، فيكون حينئذٍ في حاجة إلى مواد غذائية كاملة، وهي لا تتوافر إلا في لبن الأم، وأي نقص في هذه المواد خلال هذه الفترة غالبا ما يؤدي إلى نقص في القدرات العقلية.
ساعة الرضاعة
وبين الاستاذ حسين المري - مدير فرع وزارة العمل بعسير- أن نظام العمل الجديد أقر تنظيم ساعة الرضاعة للأم العاملة، وأبرز ما جاء فيه أنه يعطي الحق للأم العاملة الحصول على فترة أو فترتي استراحة لإرضاع طفلها وتكون مدفوعة الأجر ولا يزيد مجموعها على الساعة في اليوم الواحد، بحيث تحسب من ساعات العمل الفعلية لمدة (24) شهرًا من تاريخ الولادة، سواء كانت الرضاعة طبيعية أو غير ذلك، ولا تعد تلك الفترة من ضمن فترات الراحة (الرسمية) المُخصصة لجميع العاملين، فيما تحدد فترة أو فترتا الرضاعة بحسب توفر الحضانة داخل المُنشأة من عدمها، وإذا لم تتوفر حضانة داخل المنشأة يحق للمرأة العاملة اختيار فترة ساعة الرضاعة إمَّا أنْ تكون بداية الدوام أو نهايته بما يتناسب مع مصلحة العمل، أما إذا توافرت حضانة داخل المنشأة فيحق للمرأة العاملة الحصول على فترة أو فترتي استراحة يكون إجمالي مدتها ساعة واحدة للرضاعة بما يتناسب مع مصلحة العمل.
وبين أن القرار وهو "تنظيم ساعة رعاية المرأة العاملة لمولودها"، يؤكد دعم الاستقرار الوظيفي للمرأة العاملة وإيجاد التوازن المناسب بين بيت المرأة العاملة وعملها ورعاية مولودها وزيادة حجم مشاركتها في شتى قطاعات العمل، حيث عملت الوزارة على هذا التنظيم بناء على مستجدات سوق العمل الذي تزامن مع زيادة مشاركة المرأة في القطاع الخاص.
عوائد اقتصادية
وبين وليد الناهض - رجل الأعمال - أن للرضاعة الطبيعة عوائد اقتصادية شتى موضحا أن المرأة العاملة أصبحت عنصراً أساسياً في المجتمع العربي لذلك فهي مجبرة على العودة الى عملها بعد ولادة طفلها الجديد، ويصبح تأمين غذاء سليم للطفل عند العودة إلى العمل هاجس الأم، مضيفا ان الجمع بين الرضاعة الطبيعية والعمل ليس بالخطوة السهلة، لكنّ الرضاعة الطبيعية تؤمن عدداً كبيراً من الفوائد لها ولطفلها، والاستمرار بها أمر في غاية الأهمية ولذلك يقدر في الولايات المتحدة أن الأم التي ترضع طفلها طبيعيا توفر في السنة ألف دولار كان سيتم إنفاقها على شراء حليب الرضع، كما أن الرضاعة الطبيعية تؤدي لتقليل مخاطر إصابة الطفل بالأمراض وإلى تقليل نفقات العلاج الذي ينفقها الأهل، ما يوفر عليهم وعلى الأمة ككل، مشيرا الى انها أيضا تخفض معدلات المرض لدى الطفل، يعني أن الأبوين سيحتاجان للتغيب عن العمل أو الوظيفة بشكل أقل، وهذا يوفر خسائر مادية كانت لتنجم عن الغياب.
نصائح للاستمرار
ونصحت نهى الرميحي - أخصائية لتغذية - الأم المرضع بعدة نصائح وذلك لمساعدتها بالاستمرار بالرضاعة الطبيعية خصوصا لو كانت امرأة عاملة حيث قالت: على الأم الحرص على تناول الأطعمة التي تساعد على درّ الحليب كالمكسرات والفواكه المجففة وزيت الزيتون من أجل زيادة نسبة الحليب في ثدييك.
منبهة الى محاولة إرضاع الطفل في ساعة مبكرة من اليوم قبل أسبوع واحد من العودة الى العمل من أجل زيادة كمية الحليب الصباحية في الثدي، فهذه الكمية ستكون وجبة الطفل الأساسية بعد عودتها الى العمل.
وأضافت على الأم البدء باستخدام مضخة الثدي قبل أسبوعين من العودة الى العمل من أجل الاعتياد عليها وتجميع الحليب للطفل. علماً أنّه يمكن أن يبقى الحليب في الثلاجة لمدة تصل الى ثلاثة أشهر، كما على الأم اعطاء طفلها حليبها الطبيعي بزجاجة الحليب أحياناً بعد سحبه بمضخة الثدي قبل أسبوع من عودتها الى العمل من أجل تعويده على زجاجة الحليب.
وبينت أنه عند العودة الى العمل، على الأم جعل مضخة الثدي معها من أجل سحب الحليب عند تضخّم الثدي، ما يزيد كمية الحليب لديها ويساعدك في تجميعه لطفلها، وإذا كانت لديها ساعة للاستراحة خلال العمل فلتستغلها للذهاب إلى طفلها وإرضاعه.
وقدمت نصيحة للأمهات بقولها: على الأم تفادي التعرّض للتوتر خلال العمل، لأنه قد يؤثر سلباً في كمية الحليب لديها.