بسم الله الرحمن الرحيم
يوافق الجميع على أنّ طهو الطعام في المنزل هو الطريقة الأسهل لتناول مأكولاتٍ صحّيةٍ وبسعرٍ متدنٍّ، ولكن كم منّا لديه الوقت أو الإرادة اللازمة للتفكير في وصفة طعامٍ وشراء مكوّناتها وقضاء ساعةٍ في المطبخ لإعدادها؟
الآن، باتت بعض الشركات تقدّم خدمة توصيل كلّ ما تحتاجه إليه إلى منزلك لتعدّ إحدى وصفاتها: المكوّنات بالكميات المناسبة، مع التعليمات لإعدادها.
تلاقي هذه الفكرة نجاحاً كبيراً في أوروبا والولايات المتحدة؛ وقد تمكّنت شركة "بلو إبرون" Blue Apron الأميركية الرائدة في هذا المجال والتي تبيع ثلاثة ملايين وجبة في الشهر، مؤخراً، من الحصول على تمويلٍ بقيمة 135 مليون دولار.
والشركة الرائدة الأوروبية "هيلو فريش" HelloFresh، التي توصل ما يقارب مليون وجبة يومياً، جمعت في جولة تمويلٍ مبلغ 126 مليون دولار.
في فرنسا، تركّز الشركتان "كوك إنجلز"Cook Angels و"لي كومي" Les Commis على العشوات الفاخرة مع الأصدقاء، فتكلف حزمها حوالي 25 دولاراً للشخص الواحد ولا توصّل أقلّ من أربع حزمات.
في الدار البيضاء، ومنذ حوالي العام، أطلق رائد الأعمال المغربي سليم الجاي خدمةً شبيهة سمّاها "يوزو" Yuzu، وكيّف كلّ شيءٍ فيها ليلائم السوق المغربية – من مكانة الخدمة في السوق مروراً بوصفات الطعام وصولاً إلى الشؤون اللوجستية.
تسهيل الطهو
في كلّ صباح، يُقدّم الموقع للعملاء المنتظمين ثلاث أنواع وجبات عبر البريد الإلكتروني – واجبة نباتية، وأخرى من ثمار البحر، والثالثة من اللحم.
وبنقرةٍ واحدةٍ يحصلون على الوصفة، إذ يتمّ عندئذٍ تسليمهم الوصفة والمكوّنات الجاهزة للاستخدام في منزلهم أو في مكان عملهم، ويصبح بإمكانهم أن يقوموا بالخلطة السحرية والحصول على الأطباق الشهية.
وبالإضافة إلى ذلك، تتوفّر الخدمة لمن يحتاج إليها بين حينٍ وآخر، حيث يمكن الاختيار ما بين مئتي وصفةٍ متوفّرةٍ على الموقع الإلكتروني.
في الوقت الحالي، يقول الجاي إنّه يبيع من 5 إلى 10 حزماتٍ في اليوم ولديه 7 عملاء منتظمين يطلبون بالمعدّل 5 حزمات أسبوعياً. ويطلب كلّ عميلٍ في العادة حزمةً أو حزمتين.
مكونات بالكميات المناسبة جاهزة للطهو.
نسخة مغربية من هذه الخدمة
على المستخدمين المغربيين أن يدفعوا ما بين 40 إلى 60 درهماً (ما يقارب 4 إلى 6 دولارات)، أي أقلّ من ثمن وجبةٍ في "ماك دونالدز" McDonald’s، وأقلّ بكثير ممّا تفرضه الخدمات الأوروبية المشابهة.
يقول رائد الأعمال المؤسّس: "أودّ تقديم بديلٍ صحّيٍّ لوجبات ‘ماك دونالدز‘؛" ولفعل ذلك يعتمد على وفورات الحجم. فلدى استخدام "يوزو"، يحصل العملاء على الكمّيات المناسبة التي يحتاجونها من المكوّنات، وعندما يطلبون المكوّنات لمجموعةٍ كبيرةٍ يحصلون على وفوراتٍ في الأسعار.
وعلى المدى الطويل، يأمل أن يبيع حزمات وجباته مقابل 1.5 دولار أميركي للشخص الواحد.
الشؤون اللوجستية
حالما يتمّ تلقّي الطلبية، يعدّد الموقع الإلكتروني المكوّنات التي يجب شراؤها من كلّ مورّد، فيتواصل فريق "يوزو" مع أصحاب المحال التجارية المحلية عبر تطبيق "واتساب" لجلب البقالة منها.
وفيما تشكّل "يوزو" عميلاً كبيراً بالنسبة إلى أصحاب المحال التجارية هؤلاء، فإنّ العمل مع المتاجر المحلية يخوّل هذه الشركة الناشئة من الإبقاء على نموذج أعمالٍ مرِن lean.
فيما بعد، عندما تُصبح المكوّنات في مطبخ "يوزو"، يبدأ الفريق بغسلها وتقطيعها وقياسها ووضعها في حزماتٍ خاليةٍ من الهواء.
إعداد المكونات.
الاستثمار الوحيد الذي اضطرّت الشركة إلى القيام به هو شراء آلة التوضيب الخالي من الهواء وفرش المكتب.
ولكن، مع ذلك، تحتاج الشركة الناشئة إلى فريقٍ كبيرٍ نسبياً، حيث يعمل ثمانية أشخاص على الوصفات، وفي إعداد المكونات وتوصيل حزمات الوجبات وتسويق الخدمة.
المغرب، الخطوة الأولى باتجاه التوسع في الشرق الأوسط
مع هذه الأسعار، سيحتاج الفريق إلى القيام بـ 20 إلى 30 توصيلةً في اليوم لسدّ ديونه والبدء بتحقيق الأرباح.
يقول الجاي: "نحن في مرحلة الاستثمار". أمّا الشركة فتحصل على تمويلها في المقام الأوّل من راتب وظيفته الثابتة في منصبه كنائب المدير العام لشركةٍ تختصّ بتكنولوجيا المعلومات.
"نحن لا نسعى إلى بيع 150 وجبةً في اليوم، بل للتأكّد من صحّة الفكرة من أجل التوسّع في الخارج،" يقول رائد الأعمال، ويتابع مضيفاً أنّ "المغرب بالنسبة إليّ مختبرٌ لأختبر آلية العمل. فالتكاليف هنا متدنّيةٌ ما يعطينا إمكانية إجراء اختباراتٍ لا يمكننا تحمل تكاليفها في أيّ مكانٍ آخر. وكلّ التحديات التي سأواجهها هنا، سأواجهها حتماً في أيّ مكان آخر."
تفضّلوا إلى مطبخ "يوزو".
بمجرّد أن يثُبت رائد الأعمال هذا جدوى خدمة "يوزو"، فهو يودّ إطلاقها في الرباط ومراكش ومن ثمّ في الخارج، في دول جنوب المتوسط، بما أنّها منطقةٌ شبيهةٌ اجتماعياً وثقافياً بالمغرب ولم تحظَ بمثل هذه الخدمة بعد.
وبالعودة إلى الدار البيضاء، لا تقدّم "يوزو" التوصيلات في الوقت الحالي سوى إلى أحيائها الغنية. إلاّ أنّ هذا الأمر مؤقّت، بحسب الجاي الذي يقول "إنّنا نودّ أن نوسّع سوقنا لتشمل الأحياء متوسّطة الدخل."
رائد الأعمال المغربي مقتنعٌ أنّ بإمكان خدمته النجاح في كلّ حيٍّ يفتقر سكّانه إلى الوقت الكافي. وإذا نجحَت الخدمة فعلاً في خفض تكاليف حزمات وجباتها، ستتمكن ليس فقط من جعل الشباب الناشطين يأكلون الطعام الصحّي فحسب، بل أيضاً العائلات كثيرة الشواغل والنشاطات.